الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
وكما أن الطريقة العلمية بصحة النظر في الأدلة والأسباب هي الموجبة للعلم، كتدبر القرآن والحديث، فالطريقة العملية بصحة الإرادة والأسباب هي الموجبة للعمل؛ ولهذا يسمون السالك في ذلك: المريد، كما يسميه أولئك: الطالب، و النظر جنس تحته حق وباطل، ومحمود ومذموم، وكذلك: الإرادة. فكما أن طريق العلم لابد فيه من العلم النبوي الشرعي، بحيث يكون معلومك المعلومات الدينية النبوية، ويكون علمك بها مطابقًا لما أخبرت به الرسل، وإلا فلا ينفعك أي معلوم علمته، ولا أي شيء اعتقدته فيما أخبرت به الرسل، بل لابد من الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فكذلك [الإرادة] لابد فيها من تعيين المراد، وهو اللّه والطريق إليه، وهو ما أمرت به الرسل. فلا بد أن تعبد اللّه وتكون عبادتك إياه بما شرع على ألسنة رسله، إذ لابد من تصديق الرسول فيما أخبر علمًا، ولابد من طاعته فيما أمر عملًا. /ولهذا كان الإيمان قولًا وعملًا مع موافقة السنة، فعلم الحق ما وافق علم اللّه، والإرادة الصالحة ما وافقت محبة اللّه ورضاه، وهو حكمه الشرعي، واللّه عليم حكيم. فالأمور الخبرية لابد أن تطابق علم اللّه وخبره؛ والأمور العملية لابد أن تطابق حب اللّه وأمره، فهذا حكمه، وذاك علمه. وأما من جعل حكمه مجرد القدر، كما فعل صاحب [منازل السائرين] وجعل مشاهدة العارف الحكم يمنعه أن يستحسن حسنة أو يستقبح سيئة ـ فهذا فيه من الغلط العظيم ما قد نبهنا عليه في غير هذا الموضع. فلا ينفع المريد القاصد أن يعبد أي معبود كان، ولا أن يعبد اللّه بأي عبادة كانت، بل هذه طريقة المشركين المبتدعين الذين لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به اللّه، كالنصارى ومن أشبههم من أهل البدع الذين يعبدون غير اللّه بغير أمر اللّه، وأما أهل الإسلام والسنة فهم يعبدون اللّه وحده، ويعبدونه بما شرع. لا يعبدونه بالبدع إلا ما يقع من أحدهم خطأ. فالسالكون طريق الإرادة قد يغلطون تارة في المراد، وتارة في الطريق إليه، وتارة يألهون غير اللّه بالخوف منه والرجاء له، والتعظيم والمحبة له وسؤاله والرغبة إليه، فهذا حقيقة الشرك المحرم، فإن حقيقة / التوحيد ألا يعبد إلا اللّه. والعبادة تتضمن كمال الحب، وكمال التعظيم، وكمال الرجاء، والخشية، والإجلال والإكرام. والفناء في هذا التوحيد فناء المرسلين واتباعهم، وهو أن تفنى بعبادته عن عبادة ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، وبسؤاله عن سؤال ما سواه، وبخوفه عن خوف ما سواه، وبرجائه عن رجاء ماسواه، وبحبه والحب فيه عن محبة ما سواه والحب فيه. وأما الغالطون في الطريق فقد يريدون اللّه، لكن لا يتبعون الأمر الشرعي في إرادته، لكن تارة يعبده أحدهم بما يظنه يرضيه، ولا يكون كذلك، وتارة ينظرون القدر لكونه مراده، فيفنون في القدر الذي ليس لهم فيه غرض، وأما الفناء المطلق فيه فممتنع. وهؤلاء يفني أحدهم متبعًا لذوقه ووجده المخالف للأمر الشرعي، أو ناظرًا إلى القدر. وهذا يبتلى به كثير من خواصهم. والشيخ عبد القادر، ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمرًا بالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمرًا بترك الهوى والإرادة النفسية. فإن الخطأ في الإرادة من حيث هي إرادة إنما تقع من هذه الجهة؛ فهو يأمر السالك / ألا تكون له إرادة من جهة هواه أصلًا، بل يريد ما يريده الرب ـ عز وجل ـ: إما إرادة شرعية أن تبين له ذلك، وإلا جرى مع الإرادة القدرية، فهو إما مع أمر الرب، وإما مع خلقه، وهو سبحانه له الخلق والأمر. وهذه طريقة شرعية صحيحة، إنما يخاف على صاحبها من ترك إرادة شرعية لا يعلم أنها شرعية، أو من تقديم إرادة قدرية على الشرعية فإنه إذا لم يعلم أنها شرعية فقد يتركها، وقد يريد ضدها، فيكون ترك مأمورًا أو فعل محظورًا وهو لا يعلم. فإن طريقة الإرادة: يخاف على صاحبها من ضعف العلم؛ وما يقترن بالعلم من العمل، والوقوع في الضلال، كما أن طريقة العلم يخاف على صاحبها من ضعف العمل، وضعف العلم الذي يقترن بالعمل، لكن لا يكلف اللّه نفسًا إلا وسعها من هذا، وهذا. قال تعالى:
قال الشيخ عبد القادر ـ قدس اللّه روحه ـ: (افن عن الخلق بحكم اللّه، وعن هواك بأمره، وعن إرادتك بفعله، فحينئذ يصلح أن تكون وعاء لعلم اللّه). قلت: فحكمه يتناول خلقه وأمره، أي: افن عن عبادة الخلق والتوكل عليهم بعبادة اللّه والتوكل عليه، فلا تطعهم في معصية اللّه تعالى ولا تتعلق بهم في جلب منفعه ولا دفع مضرة. وأما الفناء عن الهوى بالأمر وعن الإرادة بالفعل بأن يكون فعله موافقًا للأمر الشرعي لا لهواه، وأن تكون إرادته لما يخلق تابعة لفعل اللّه لا لإرادة نفسه، فالإرادة تارة تتعلق بفعل نفسه وتارة بالمخلوقات. فالأول: يكون بالأمر، والثاني: لا تكون له إرادة. ولا بد في هذا أن يقيد بألا تكون له إرادة لم يؤمر بها، وإلا فإذا أمر بأن يريد من المقدورات شيئًا دون شيء فليرد ما أمر بإرادته، سواء كان موافقًا للقدر أم لا. وهذا الموضع قد يغلط فيه طائفة من السالكين. /والغالب على الصادقين منهم أنهم لم يعرفوا الإرادة الشرعية في ذلك المعين وهم ليس لهم إرادة نفسانية فتركوا إرادتهم لغير المقدور. قال الشيخ: (فعلامة فنائك عن خلق اللّه انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في أيديهم). وهو كما قال. فإذا كان القلب لا يرجوهم، ولا يخافهم، لم يتردد إليهم لطلب شيء منهم وهذا يشبه بما يكون مأمورًا به من المشي إليهم لأمرهم بما أمر اللّه به، ونهيهم عما نهاهم اللّه عنه، كذهاب الرسل، واتباع الرسل إلى من يبلغون رسالات اللّه، فإن التوكل إنما يصح مع القيام بما أمر به العبد. ليكون عابدًا للّه متوكلًا عليه، وإلا فمن توكل عليه ولم يفعل ما أمر به؛ فقد يكون ما أضاعه من الأمر أولى به مما قام به من التوكل، أو مثله أو دونه، كما أن من قام بأمر ولم يتوكل عليه ولم يستعن به فلم يقم بالواجب، بل قد يكون ما تركه من التوكل والاستعانة أولى به مما فعله من الأمر أو مثله أو دونه. قال الشيخ: (وعلامة فنائك عنك وعن هواك: ترك التكسب، والتعلق بالسبب في جلب النفع ودفع الضر، فلا تتحرك فيك بك ولا تعتمد عليك لك ولا تنصر نفسك، ولا تذب عنك، لكن تكل ذلك كله / إلى من تولاه أولًا فيتولاه آخرًا. كما كان ذلك موكولًا إليه في حال كونك مغيبًا في الرحم، وكونك رضيعًا طفلا في مهدك). قلت: وهذا لأن النفس تهوى وجود ما تحبه وينفعها ودفع ما تبغضه ويضرها، فإذا فنى عن ذاك بالأمر فعل ما يحبه اللّه وترك ما يبغضه اللّه فاعتاض بفعل محبوب اللّه عن محبوبه وبترك ما يبغضه اللّه عما يبغضه وحينئذ فالنفس لابد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة، فيكون في ذلك متوكلًا على اللّه. والشيخ ـ رحمه اللّه ـ ذكر هنا التوكل دون الطاعة؛ لأن النفس لابد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة، فإن لم تكن متوكلة على اللّه في ذلك واثقة به لم يمكن أن تنصرف عن ذلك فتمتثل الأمر مطلقًا، بل لابد أن تعصي الأمر في جلب المنفعة ودفع المضرة فلا تصح العبادة للّه وطاعة أمره بدون التوكل عليه، كما أن التوكل عليه لا يصح بدون عبادته وطاعته، قال تعالى: والمقصود أن امتثال الأمر على الإطلاق لا يصح بدون / التوكل والاستعانة، ومن كان واثقًا باللّه أن يجلب له ما ينفعه ويدفع عنه ما يضره أمكن أن يدع هواه ويطيع أمره، وإلا فنفسه لا تدعه أن يترك ما يقول: إنه محتاج فيه إلى غيره. قال الشيخ ـ رضي اللّه عنه ـ: وعلامة فناء إرادتك بفعل اللّه أنك لا تريد مرادًا قط، فلا يكن لك غرض، ولا تقف لك حاجة ولا مرام؛ لأنك لا تريد مع إرادة اللّه سواها، بل يجري فعله فيك فتكون أنت إرادة اللّه تعالي وفعله، ساكن الجوارح مطمئن الجنان، مشروح الصدر، منور الوجه، عامر الباطن، غنيا عن الأشياء بخالقها، تقلبك يد القدرة ويدعوك لسان الأزل، ويعلمك رب الملك ويكسوك نورًا منه والحلل، وينزلك منازل من سلف من أولى العلم الأول، فتكون منكسرًا أبدًا. فلا تثبت فيك شهوة ولا إرادة: كالإناء المتثلـم الذي لا يثبت فيه مائع ولا كدر فتفنوا عـن أخلاق البشريـة، فلـن يقبـل باطنـك ساكنـًا غيـر إرادة اللّه، فحينئذ يضاف إليك التكوين وخرق العادات فيرى ذلك منك في ظاهر العقل والحكم وهو فعل اللّه تبارك وتعالى حقًا في العلم فتدخل حينئذ في زمـرة المنكـسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية، وأزيلت شهواتهم الطبيعية واستوثقت لهم إرادات ربانيـة وشهوات إضافية .كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حبب إلى من / دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) فأضيف ذلك إليه بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقًا لما أشرت إليه وتقدم، قال اللّه تعالى: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) وساق كلامه. وفيه: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل) الحديث. قلت: هذا المقام هو آخر ما يشير إليه الشيخ عبد القادر ـ رضي اللّه عنه ـ وحقيقته أنه لا يريد كون شيء إلا أن يكون مأمورًا بإرادته. فقوله: علامة فناء إرادتك بفعل اللّه أنك لا تريد مرادًا قط. أي لا تريد مرادًا لم تؤمر بإرادته، فأما ما أمرك اللّه ورسوله بإرادتك إياه، فإرادته إما واجب وإما مستحب، وترك إرادة هذا إما معصية وإما نقص . وهذا الموضع يلتبس على كثير من السالكين، فيظنون أن الطريقة الكاملة ألا يكون للعبد إرادة أصلًا، وإن قول أبي يزيد: أريد ألا أريد ـ لما قيل له: ماذا تريد؟ ـ نقص وتناقض؛ لأنه قد أراد، ويحملون كلام المشائخ الذين يمدحون بترك الإرادة على ترك الإرادة مطلقًا، وهذا غلط منهم على الشيوخ المستقيمين، وإن كان من الشيوخ من يأمر بترك الإرادة مطلقًا، فإن هذا غلط ممن قاله، فإن ذلك ليس بمقدور ولا مأمور. /فإن الحي لابد له من إرادة، فلا يمكن حيًا ألا تكون له إرادة، فإن الإرادة التي يحبها اللّه ورسوله ويأمر بها أمر إيجاب أو أمر استحباب لا يدعها إلا كافر أو فاسق أو عاص إن كانت واجبة، وإن كانت مستحبة كان تاركها تاركًا لما هو خير له. واللّه ـ تعالى ـ قد وصف الأنبياء والصديقين بهذه الإرادة، فقال تعالى: ولا عبادة إلا بإرادة اللّه، ولما أمر به، وقال تعالى: ومثل هذا كثير في القرآن؛ يأمر اللّه بإرادته، وإرادة ما يأمر به، وينهى عن إرادة غيره، وإرادة ما نهى عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله فهجرته إلى اللّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فهما إرادتان: إرادة يحبها اللّه ويرضاها، وإرادة لا يحبها اللّه ولا يرضاها، بل إما نهي عنها، وإما لم يأمر بها، ولا ينهي عنها والناس في الإرادة ثلاثة أقسام: قوم يريدون ما يهوونه، فهؤلاء عبيد أنفسهم والشيطان. وقوم يزعمون أنهم فرغوا من الإرادة مطلقًا، ولم يبق لهم مراد إلا ما يقدره الرب، وإن هذا المقام هو أكمل المقامات، ويزعمون أن من قام بهذا فقد قام بالحقيقة، وهي الحقيقة القدرية الكونية؛ وأنه / شهد القيومية العامة، ويجعلون الفناء في شهود توحيد الربوبية هو الغاية؛ وقد يسمون هذا الجمع والفناء والاصطلام، ونحو ذلك. وكثير من الشيوخ زلقوا في هذا الموضع. وفي هذا المقام كان النزاع بين الجنيد بن محمد وبين طائفة من أصحابه الصوفية؛ فإنهم اتفقوا على شهود توحيد الربوبية، وأن اللّه خالق كل شيء وربه ومليكه، وهو شهود القدر، وسموا هذا مقام الجمع؛ فإنه خرج به عن الفرق الأول وهو الفرق الطبيعي بإرادة هذا وكراهة هذا، ورؤية فعل هذا وترك هذا، فإن الإنسان قبل أن يشهد هذا التوحيد يرى للخلق فعلًا يتفرق به قلبه في شهود أفعال المخلوقات؛ ويكون متبعًا لهواه فيما يريده، فإذا أراد الحق خرج بإرادته عن إرادة الهوى والطبع، ثم شهد أنه خالق كل شيء، فخرج بشهود هذا الجمع عن ذاك الفرق، فلما اتفقوا على هذا ذكر لهم الجنيد بن محمد الفرق الثاني، وهو بعد هذا الجمع، وهو الفرق الشرعي. ألا تري أنك تريد ما أمرت به، ولا تريد ما نهيت عنه؟! وتشهد أن اللّه يستحق العبادة دون ما سواه، وأن عبادته هي بطاعة رسله، فتفرق بين المأمور والمحظور، وبين أوليائه وأعدائه، وتشهد توحيد الألوهية، فنازعوه في هذا الفرق. منهم من أنكره. /ومنهم من لم يفهمه. ومنهم من ادعي أن المتكلم فيه لم يصل إليه. ثم إنك تجد كثيرًا من الشيوخ إنما ينتهي إلى ذلك الجمع، وهو: توحيد الربوبية، والفناء فيه. كما في كلام صاحب [منازل السائرين] مع جلالة قدره، مع أنه قطعًا كان قائمًا بالأمر والنهي المعروفين، لكن قد يدعون أن هذا لأجل العامة. ومنهم من يتناقض. ومنهم من يقول: الوقوف مع الأمر لأجل مصلحة العامة، وقد يعبر عنهم بأهل المارستان. ومنهم من يسمى ذلك مقام التلبيس. ومنهم من يقول: التحقيق أن يكون الجمع في قلبك مشهودًا، والفرق على لسانك موجودًا، فيشهد بقلبه استواء المأمور والمحظور مع تفريقه بينهما. ومنهم من يرى أن هذه هي الحقيقة التي هي منتهى سلوك / العارفين، وغاية منازل الأولياء الصديقين. و منهم من يظن أن الوقوف مع إرادة الأمر والنهي يكون في السلوك والبداية، وأما في النهاية فلاتبقى إلا إرادة القدر. وهو في الحقيقة قول بسقوط العبادة والطاعة، فإن العبادة للّه والطاعة له ولـرسوله إنما تكون في امتثال الأمر الشرعي لا في الجري مع المقدور، وإن كان كفرًا أو فسوقًا أو عصيانًا، ومن هنا صار كثير من السالكين من أعوان الكفار والفجار وخفرائهم، حيث شهدوا القدر معهم؛ ولم يشهدوا الأمر والنهي الشرعيين. ومن هؤلاء من يقول: من شهد القدر سقط عنه الملام، ويقولون إن الخضر إنما سقط عنه الملام لما شهد القدر. وأصحاب شهود القدر قد يؤتي أحدهم ملكًا من جهة خرق العادة بالكشف والتصرف، فيظن ذلك كمالا في الولاية، وتكون تلك الخوارق إنما حصلت بأسباب شيطانية، وأهواء نفسانية، وإنما الكمال في الولاية أن يستعمل خرق العادات في إقامة الأمر والنهي الشرعيين مع حصولهما بفعل المأمور وترك المحظور، فإذاحصلت بغير الأسباب الشرعية فهي مذمومة، وإن حصلت بالأسباب الشرعية لكن استعملت ليتوصل بها إلى محرم كانت مذمومة، وإن توصل بها إلى مباح / لا يستعان بها على طاعة كانت للأبرار دون المقربين. وأما إن حصلت بالسبب الشرعي واستعين بها على فعل الأمر الشرعي، فهذه خوارق المقربين السابقين. فلابد أن ينظر في الخوارق في أسبابها وغاياتها: من أين حصلت، وإلى ماذا أوصلت ـ كما ينظر في الأموال في مستخرجهـا ومصروفهـا ـ ومن استعملها ـ أعني الخوارق ـ في إرادته الطبيعية كان مذمومًا، ومن كان خاليًا عن الإرادتين الطبيعية والشرعية فهذا حسبه أن يعفي عنه، لكونه لم يعرف الإرادة الشرعية. وأما إن عرفها وأعرض عنها فإنه يكون مذمومًا مستحقًا للعقاب إن لم يعف عنه، وهو يمدح بكون إرادته ليست بهواه، لكن يجب مع ذلك أن تكون موافقة لأمر اللّه تعالى ورسوله، لا يكفيه أن تكون لا من هذا ولامن هذا، مع أنه لا يمكن خلوه عن الإرادة مطلقًا؛ بل لابد له من إرادة، فإن لم يرد ما يحبه اللّه ورسوله، أراد مالا يحبه اللّه ورسوله، لكن إذا جاهد نفسه على ترك ما تهواه بقى مريدًا لما يظن أنه مأمور به، فيكون ضالًا. فإن هذا يشبه حال الضالين من النصارى. وقد قال تعالى: فاليهود لهم إرادات فاسدة منهي عنها. كما أخبر عنهم بأنهم عصوا وكانوا يعتدون. وهم يعرفون الحق ولا يعملون به، فلهم علم، لكن ليس لهم عمل بالعلم، وهم في الإرادة المذمومة المحرمة يتبعون أهواءهم ليسوا في الإرادة المحمودة المأمور بها، وهي إرادة ما يحبه اللّه ورسوله. والنصارى لهم قصد وعبادة وزهد لكنهم ضلال، يعملون بغير علم، فلا يعرفون الإرادة التي يحبها اللّه ورسوله، بل غاية أحدهم تجريد نفسه عن الإرادات، فلا يبقى مريدًا لما أمر اللّه به ورسوله، كما لا يريد كثيرًا مما نهى اللّه عنه ورسوله، وهؤلاء ضالون عن مقصودهم فإن مقصودهم إنما هو في طاعة اللّه ورسوله، ولهذا كانوا ملعونين: أي بعيدين عن الرحمة التي تنال بطاعة اللّه عز وجل. والعالم الفاجر يشبه اليهود. والعابد الجاهل يشبه النصارى. ومن أهل العلم من فيه شيء من الأول، ومن أهل العبادة من فيه شيء من الثاني. /وهذا الموضع تفرق فيه بنو آدم، وتباينوا تباينًا عظيمًا، لا يحيط به إلا اللّه. ففيهم من لم يخلق اللّه خلقًا أكرم عليه منه، وهو خير البرية. ومنهم من هو شر البرية، وأفضل الأحوال فيه حال الخليلين: إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الأولين والآخرين، وخاتم النبيين وإمامهم إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا، وهو المعروج به إلى ما فوق الأنبياء كلهم ـ إبراهيم و موسى وغيرهما. وأفضل الأنبياء بعده إبراهيم، كما ثبت في الصحيح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم خير البرية)، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول في خطبة الجمعة: (خير الكلام كلام اللّه، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم). وكذلك كان عبد اللّه بن مسعود يخطب بذلك يوم الخميس، كما رواه البخاري في صحيحه. وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ أنها قالت: ما ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة ولا دابة ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل اللّه، وما نيل منه قط شيء فانتقم لنفسه، إلا أن تنتهك محارم اللّه، فإذا انتهكت محارم اللّه لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم للّه. /وقال أنس: خدمت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لي لشىء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟. وكان بعض أهله إذا عنفني على شيء قال: (دعوه، فلو قضى شيء لكان). ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلائق، وسيد ولد آدم، وله الوسيلة في المقامات كلها، ولم يكن حاله أنه لا يريد شيئًا، ولاأنه يريد كل واقع، كما أنه لم يكن حاله أنه يتبع الهوى، بل هو منزه عن هذا وهذا، قال اللّه تعالى: وقد قال اللّه لنبيه: وهذا هو كمال الإرادة؛ فإنه أراد ما يحبه اللّه ويرضاه من الإيمان و العمل الصالح، وأمر بذلك وكره ما يبغضه اللّه من الكفر والفسوق والعصيان، ونهى عن ذلك، كما وصفه اللّه تعالى بقوله: وأما لحظ نفسه فلم يكن يعاقب ولا ينتقم، بل يستوفى حق ربه، ويعفو عن حظ نفسه، وفي حظ نفسه ينظر إلى القدر، فيقول: (لو قضى شيء لكان)، وفي حق اللّه يقوم بالأمر فيفعل ما أمر اللّه به، ويجاهد في سبيل اللّه أكمل الجهاد الممكن، فجاهدهم أولًا بلسانه بالقرآن الذي أنزل عليه، كما قال تعالى: وهذا مطابق لما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة، وهو معروف أيضًا من حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث احتجاج آدم وموسى، لما لام موسى آدم لكونه أخرج نفسه وذريته من الجنة بالذنب الذي فعله، فأجابه آدم بأن هذا كان مكتوبًا علىَّ قبل أن أخلق بمدة طويلة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى). وذلك لأن ملام موسى لآدم لم يكن لحق اللّه، وإنما كان لما لحقه وغيره من الآدميين من المصيبة بسبب ذلك الفعل، فذكر له آدم أن هذا كان أمرًا مقدرًا لابد من كونه، والمصائب التي تصيب العباد يؤمرون فيها بالصبر؛ فإن هذا هو الذي ينفعهم، وأما لومهم لمن كان سببًا فيها فلا فائدة لهم في ذلك، وكذلك ما فاتهم من الأمور التي تنفعهم يؤمرون في ذلك بالنظر إلى القدر، وأما التأسف والحزن فلا فائدة فيه، فما جرى به القدر من فوت منفعة لهم، أو حصول مضرة لهم، فلينظروا في ذلك إلى القدر، وأما ما كان بسبب أعمالهم فليجتهدوا في التوبة من المعاصي، والإصلاح في المستقبل. فإن هذا الأمر ينفعهم، وهو مقدور لهم بمعونة اللّه لهم. /وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن باللّه ولا تعجزن. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدر اللّه وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان). أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحرص العبد على ما ينفعه، والاستعانة باللّه، ونهاه عن العجز، وأنفع ما للعبد طاعة اللّه ورسوله، وهي عبادة اللّه تعالى. وهذان الأصلان هما حقيقة قوله تعالى: وفي سنن أبي داود: أن رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى على أحدهما، فقال المقضي عليه: حسبي اللّه ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن اللّه يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي اللّه ونعم الوكيل) فالكيس ضد العجز. وفي الحديث: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس) رواه مسلم. وليس المراد بالعجز في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما يضاد / القدرة؛ فإن من لا قدرة له بحال لا يلام، ولا يؤمر بما لا يقدر عليه بحال. ثم لما أمره بالاجتهاد والاستعانة باللّه ونهاه عن العجز، أمره إذا غلبه أمر أن ينظر إلى القدر ويقول: قدر اللّه وما شاء فعل، ولا يتحسر ويتلهف ويحزن. ويقول: (لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان). وقد قال بعض الناس في هذا المعنى: الأمر أمران: أمر فيه حيلة وأمر لا حيلة فيه؛ فما فيه حيلة لا يعجز عنه، وما لا حيلة فيه لا يجزع منه. وهذا هو الذي يذكره أئمة الدين. كما ذكر الشيخ عبد القادر وغيره. فإنه لابد من فعل المأمور وترك المحظور، والرضا والصبر على المقدور. وقد قال تعالى حكاية عن يوسف: فالتقوى: تتضمن فعل المأمور وترك المحظور. والصبر: يتضمن الصبر على المقدور. وقد قال تعالى: وقال تعالى: فأما من أراد ما يحبه اللّه تارة وما لا يحبه تارة، أو لم يرد لا هذا ولا هذا، فكلاهما دون خلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؛ وإن لم يكن على واحد منهما إثم، كالذي يريد ما أبيح له من نيل الشهوة المباحة والغضب والانتقام المباح كما هو خلق بعض الأنبياء والصالحين، فهو وإن كان جائزًا لا إثم فيه، فخلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أكمل منه. /وكذلك من لم يرد الشهوات المباحة وإن كان يستعان بها على أمر مستحب، ولم يرد أن يغضب وينتقم ويجاهد إذا جاز العفو وإن كان الانتقام للّه أرضى للّه. كما هو أيضًا خلق بعض الأنبياء والصالحـين فهـذا وإن كـان جائـزًا لا إثـم فيـه فخلـق رسـول اللّه صلى الله عليه وسلم أكمل منه. وهذا والذي قبله إذا كان شريعة لنبي فلا عيب على نبي فيما شرع اللّه له. لكن قد فضل اللّه بعض النبيين على بعض، وفضل بعض الرسل على بعض، والشريعة التي بعث اللّه بها محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل الشرائع؛ إذ كان محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وأمته خير أمة أخرجت للناس. قال أبو هريرة في قوله تعالى: ومن أسباب هذا الانحراف: أن من الناس من تغلب عليه طريقة الزهد في إرادة نفسه، فيزهد في موجب الشهوة والغضب، كما يفعل ذلك من يفعله من عباد المشركين، وأهل الكتاب كالرهبان وأشباههم، وهؤلاء يرون الجهاد نقصًا لما فيه من قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال، ويرون أن اللّه لم يجعل عمارة بيت المقدس على يد داود؛ لأنه جرى علي يديه سفك الدماء. ومنهم من لا يري ذبح شيء من الحيوان كما عليه البراهمة، ومنهم من لا يحرم ذلك لكنه هو يتقرب إلى اللّه بأنه لا يذبح حيوانًا ولا يأكل لحمه ولا ينكح النساء، ويقول مادحه: فلان ما نكح، ولا ذبح. وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هؤلاء كما في الصحيحين عن أنس: أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه وأثني عليه وقال: (ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا؟! لكني أصلي وأنام، / وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني). وقد قال تعالى: والزهد النافع المشروع الذي يحبه اللّه ورسوله هو الزهد فيما لا ينفع في الآخرة، فأما ما ينفع في الآخرة وما يستعان به على ذلك، فالزهد فيه زهد في نوع من عبادة اللّه وطاعته، والزهد إنما يراد لأنه زهد فيما يضر، أو زهد فيما لا ينفع، فأما الزهد في النافع فجهل وضلال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن باللّه ولا تعجزن). والنافع للعبد هو عبادة اللّه وطاعته وطاعة رسوله، وكل ما صده عن ذلك فإنه ضار لا نافع، ثم الأنفع له أن تكون كل أعماله عبادة للّه وطاعة له، وإن أدى الفرائض وفعل مباحًا لا يعينه على الطاعة فقد فعل ما ينفعه وما لا ينفعه ولا يضره. وكذلك الورع المشروع، هو الورع عما قد تخاف عاقبته وهو / ما يعلم تحريمه، وما يشك في تحريمه، وليس في تركه مفسدة أعظم من فعله ـ مثل محرم معين ـ مثل من يترك أخذ الشبهة ورعًا مع حاجته إليها ويأخذ بدل ذلك محرما بينًا تحريمه، أو يترك واجبًا تركه أعظم فسادًا من فعله مع الشبهة، كمن يكون على أبية أو عليه ديون هو مطالب بها، وليس له وفاء إلا من مال فيه شبهة فيتورع عنها، ويدع ذمته أو ذمة أبيه مرتهنة. وكذلك من الورع الاحتياط بفعل ما يشك في وجوبه لكن على هذا الوجه. وتمام الورع أن يعم الإنسان خير الخيرين، وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات، ويرى ذلك من الورع كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعًا، ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور، ويرى ذلك من الورع، ويمتنع عن قبول شهادة الصادق وأخذ علم العالم لما في صاحبه من بدعة خفية، ويرى ترك قبول سماع هذا الحق الذي يجب سماعه من الورع. /وكذلك الزهد والرغبة، من لم يراع مايحبه اللّه ورسوله من الرغبة والزهد ومايكرهه من ذلك، وإلا فقد يدع واجبات ويفعل محرمات مثل من يدع ما يحتاج إليه من الأكل، أو أكل الدسم حتى يفسد عقله أو تضعف قوته عما يجب عليه من حقوق اللّه تعالى أو حقوق عباده، أو يدع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل اللّه، لما في فعل ذلك من أذى بعض الناس والانتقام منهم، حتى يستولى الكفار والفجار على الصالحين الأبرار فلا ينظر المصلحة الراجحة في ذلك. وقد قال تعالى: يقول ـ سبحانه وتعالى ـ: وإن كان قتل النفوس فيه شر فالفتنة الحاصلة بالكفر وظهور أهله أعظم من ذلك، فيدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما. وكذلك الذي يدع ذبح الحيوان أو يرى أن في ذبحه ظلمًا له هو جاهل، فإن هذا الحيوان لابد أن يموت، فإذا قتل لمنفعة الآدميين / وحاجتهم كان خيرًا من أن يموت موتًا لا ينتفع به أحد، والآدمي أكمل منه، ولا تتم مصلحته إلا باستعمال الحيوان في الأكل والركوب ونحو ذلك، لكن مالا يحتاج إليه من تعذيبه نهي اللّه عنه كصبر البهائم وذبحها في غير الحلق واللبة مع القدرة على ذلك، وأوجب اللّه الإحسان بحسب الإمكان فيما أباحه من القتل والذبح. كما في صحيح مسلم عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه كتب الإحسان على كل شيء: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته). وهؤلاء الذين زهدوا في الإرادات حتى فيما يحبه اللّه ورسوله من الإرادات بإزائهم طائفتان: طائفة رغبت فيما كره اللّه ورسوله الرغبة فيه من الكفر والفسوق والعصيان. وطائفة رغبت فيما أمر اللّه ورسوله، لكن لهواء أنفسهم لا لعبادة اللّه تعالى، وهؤلاء الذين يأتون بصور الطاعات مع فساد النيات، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: يا رسول اللّه، الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل اللّه؟ فقال: (من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا، / فهو في سبيل اللّه). قال تعالى: وهؤلاء أهل إرادات فاسدة مذمومة، فهم مع تركهم الواجب فعلوا المحرم، وهم يشبهون اليهود، كما يشبه أولئك النصارى. قال تعالى: فهؤلاء يتبعون أهواءهم غيا مع العلم بالحق، وأولئك يتبعون أهواءهم مع الضلال والجهل بالحق. كما قال تعالى: /وكلا الطائفتين تاركة ما أمر اللّه ورسوله به من الإرادات، والأعمال الصالحة، مرتكبة لما نهى اللّه ورسوله عنه من الإرادات والأعمال الفاسدة.
|